الطوسي ( 460 هـ ) يروي عن كميل ( 82 هـ ) يروي عن علي بن أبي طالب ( 40 هـ ) .
فلا سند ولا مصدر
-----------
# إذا أردنا أن نتحدّث بشكل فنّي وصناعي كما يقولون فإنّ نسبة مثل هذا الدّعاء إلى عليّ بن أبي طالب (ع) أمرٌ يصعب تصوّره حتّى على أساس أبسط الآليّات المعروفة في علم الحديث؛ وذلك لأنّ الفاصلة الزّمنيّة بين أوّل لحظة واصلة لنسبة الدّعاء إليه وبينه (ع) هي قرابة الأربعة قرون، وحيث إنّ من نسب إليه هذا الدّعاء قد تفرّد بذلك وبشكل مرسل وبصيغة روي لذا لا يمكن على الإطلاق الجزم بثبوته له بل ربّما يمتنع ذلك.
# أمّا بيان ذلك فيستدعي ذكر بعض الإيضاحات:
الأوّل: حينما نُراجع التّراث الإثني عشريّ مفتّشين عن الجذور الأولى لدعاء كميل نجد إنّه قد ورد لأوّل مرّة وبشكل مُرسل في كتاب مصباح المتهجّد لشيخ الطّائفة الإثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ” وبصيغة روي فقط؛ حيث نصّ في أعمال ليلة النّصف من شعبان قائلاً: «روي أنّ كميل بن زياد النّخعي رأى أمير المؤمنين [عليّاً] (ع) ساجداً يدعو بهذا الدّعاء في ليلة النّصف من شعبان» [ص844]، وبدأ بذكر نصّ الدّعاء المعروف بعد ذلك.
الثّاني: بعد ما يقرب من قرنين من تاريخ وفاة الطّوسي جاء أحد أحفاده من طرف الأمّ وهو المرحوم ابن طاووس المتوفّى سنة: “664هـ” فأورد الدّعاء برواية جدّه الطّوسي نفسها، وادّعى أيضاً عثوره على رواية أخرى تضيف إضافات لافتة وغريبة ومخالفة لما هو المتّفق عليه في الواقع الإثني عشريّ أيضاً، حيث قال: «أقول: ووجدت في رواية أخرى ما هذا لفظها: قال كميل بن زياد: كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين (ع) في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه فقال بعضهم: ما معنى قول الله عزّ وجلّ: “فيها يُفرق كلّ أمر حكيم”؟ قال “ع”: ليلة النّصف من شعبان، والذي نفس عليّ بيده أنّه ما من عبد الّا وجميع ما يجري عليه من خير وشرّ مقسوم له في ليلة النّصف من شعبان إلى آخر السنّة في مثل تلك اللّيلة المقبلة، وما من عبد يُحييها ويدعو بدعاء الخضر (ع) الّا أجيب له. فلمّا انصرف طرقته ليلاً، فقال (ع) : ما جاء بك يا كميل؟ قلت: يا أمير المؤمنين دعاء الخضر، فقال: اجلس يا كميل، إذا حفظت هذا الدّعاء فادع به كلّ ليلة جمعة أو في الشهر مرّة أو في السنّة مرة أو في عمرك مرة، تكفّ وتنصر وترزق ولن تعدم المغفرة، يا كميل أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود لك بما سألت، ثم قال: اكتب …». [إقبال الأعمال: ج3، ص331].
الثّالث: الظّاهر من رواية ابن طاووس إنّ ليلة النّصف من شعبان هي ليلة القدر؛ وذلك لأنّ تقدير الأمور يكون فيها، وهذا الأمر خلاف إجماع الإثني عشريّة المتّفقين على إنّها في شهر رمضان، وهذا الإشكال سجّله بعضهم من قبيل المرحوم محمّد تقي الشّوشتري. [الأخبار الدّخيلة: ج1، ص251].
الرّابع: يبدو إنّ ما جاء في النّسخ المطبوعة لكتاب مصباح المتهجد من تسمية الطّوسي لهذا الدّعاء بدعاء الخضر من إضافات النّساخ لبعض النّسخ؛ وذلك لعدم وجود ذلك في نقولات بعض من نقل الدّعاء عنه لاحقاً، ولخلوّ بعض النّسخ الخطيّة منها، ومن المحتمل أن يكون تأثّراً بما نقله ابن طاووس، وهناك احتمال آخر يحتاج إلى دراسة مستأنفة يرتبط بأصل نسخة مصباح المتهجدّ.
الخامس: نسبة هذا الدّعاء إلى الخضر واجهت مشكلة الانسجام مع بعض مضامينه؛ حيث وردت في الدّعاء إحدى الآيات القرآنيّة من سورة السجدة، فكيف قرأها الخضر والمفروض إنّه متقدّم زماناً على الّلحظة الإسلاميّة كما هو ظاهر رواية ابن طاووس؟! وبغية حلّحلة هذا التّعارض بادر المرحوم محسن الحكيم المتوفّى سنة: “1390هـ” قائلاً في مستمسكه: «ولا ينافي ذلك نسبة الدّعاء إلى الخضر (ع)؛ لجواز أن يكون قد دعا به بعد نزول الآية المذكورة» [ج3، ص56]، كما أضاف المرحوم عبد الأعلى السّبزواريّ المتوفّى سنة: “1414هـ” حلّا آخر قائلاً في مهذّبه: «ثمّ إنّ تسمية الدّعاء بدعاء الخضر لا ينافي اشتماله على الآية الكريمة؛ لجواز أن يكون قد أُلهم الخضر هذا الدعاء بعد نزول القرآن على نبينا (ص)، أو أدرجها عليّ (ع) في دعاء الخضر» [ج3، ص42].
السّادس: أردنا من خلال الإيضاحات أعلاه أن نوضّح للقارئ الجادّ: طبيعة الأساس الرّوائيّ لدعاء كميل أو الخضر؛ لكي يقارن بين الاستحكام الفولاذيّ الّذي يقف خلف نسبة هذا الحديث إلى عليّ (ع) بين الأوساط الشّعبيّة المعاصرة وبين الأساس الحديثيّ لمثل هذا الاستحكام، وإنّ كثيراً من أجزاء الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة المرسومة لعليّ بن أبي طالب (ع) في الوجدان الشّعبيّ تعود حقيقتها الرّوائيّة إلى أمثال هذه النّصوص الواضحة الوضع المتأخّر والتّركيب، وإلّا كيف تمكّن كميل بن زياد أن يحفظ مثل هذا الدّعاء الطّويل ذي المفردات والمضامين المتأخّرة من خلال الإصغاء مرّة واحدة لعليّ (ع) في سجوده كما هو نقل الطّوسي، ولا ندري أيضاً: كيف أقنع ابن طاووس نفسه بهذه الدّراما المتعارضة مع إجماع الإثني عشريّة وهو يطرح تفسيراً آخراً لكيفيّة نقل الحديث، والأغرب من جميع ذلك: مجهوليّة الطّريق الّذي انتقل فيه هذا الدّعاء الطّويل من كميل إلى الطّوسي ليتفرّد الأخير بنقله في تراثه دون غيره.
السّابع: ليس الحديث في أمثال هذه المواطن عن تسويغ نسبة هذا الدّعاء إلى عليّ (ع) بغية الحكم باستحبابه أو احتماليّة تحصيل الثّواب عليه لكي نكرّر المباني الأصوليّة الإثني عشريّة المعروفة؛ وإنّما عن جواز تكوين صورة نمطيّة مثاليّة عنه (ع) استناداً إلى هذا الدّعاء؛ ومن الواضح: إنّنا حتّى لو تمكّنا من التّفكيك ذهنيّاً بين هذين الأمر، لكنّ الوجدان الشّعبي لا يميّز بينهما؛ ويبادر لجعل مثل هذه الأدعية والنّصوص الرّوائيّة الضّعيفة أو الثّابت وضعها أساساً ثابتاً لتقييم الأشخاص المنسوبة إليهم وفي تشكيل صور جميلة ورائعة ومثاليّة عنهم، بل وتقزيم غيرهم وتفسيقهم أيضاً، بل نجد حتّى الصّورة النّمطيّة المثاليّة الرّاكزة في الأوساط العلميّة عنه (ع) مستندة في حقيقتها إلى أمثال هذه الأدعية والمرويّات الضّعيفة والموضوعة للأسف الشّديد، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
-----------
دعاء كميل وبطلان نسبته إلى عليّ بن أبي طالب - ميثاق العسر