شوائب في بعض الروايات عن الولادة :
قال الكراجكي "رحمه الله": روى المحدثون، وسطر المصنفون: أن أبا
طالب وامرأته فاطمة بنت أسد "رضوان الله عليهما" لما كفلا رسول الله
"صلى الله عليه وآله" استبشرا بغرته، واستسعدا بطلعته، واتخذاه ولداً،
لأنهما لم يكونا رزقا من الولد أحداً. ثم إنه نشأ أشرف نشوء، وأحسنه،
وأفضله، وأيمنه، فرأى فاطمة، ورغبتها في الولد، فقال لها: يا أمه، قربي
قرباناً لوجه الله تعالى خالصاً، ولا تشركي معه أحداً، فإنه يرضاه منك
ويتقبله، ويعطيك طلبك ويعجله. فامتثلت فاطمة أمره، وقربت قرباناً لله
تعالى خالصاً، وسألته أن يرزقها ولداً ذكراً، فأجاب الله تعالى دعاءها،
وبلغها مناها، ورزقها من الأولاد خمسة: عقيلاً، ثم طالباً، ثم جعفراً، ثم
علياً، ثم أخته المعروفة بأم هاني الخ ...
ونقول :
أولاً: إن هذه الرواية تقول: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" هو الذي
أشار على فاطمة بنت أسد بتقريب القربان لله، وطلب الولد، ففعلت، فولد لها طالب وعقيل و.. و.. مـع أنه يلاحظ :
ألف) : إن طالباً كان في سن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقد ولد سنة ولادة النبي "صلى الله عليه وآله".
وحين تحول النبي "صلى الله عليه وآله" إلى بيت أبي طالب كان عمره "صلى الله عليه وآله" ثمان سنين. وهذا هو نفس عمر طالب آنئذ.
ب) : إن علياً "عليه السلام" كان الأصغر بين إخوته وطالب هو الأكبر.
وهؤلاء الإخوة هم: طالب، وعقيل، وجعفر، وكان بين كل واحد من هؤلاء
وبين الذي يليه عشر سنوات، فيكون أكبرهم وهو طالب قد ولد سنة ولادة
النبي "صلى الله عليه وآله" في عام الفيل. وعقيل ولد بعد عام الفيل بعشر
سنوات. وجعفر ولد بعد عام الفيل بعشرين سنة. وعلي "عليه السلام" ولد
بعد عام الفيل بثلاثين سنة. وبعث النبي "صلى الله عليه وآله" في سن
الأربعين .. ويدل على ذلك النصوص التالية:
1 ـ قال ابن عبد البر: "كان جعفر أكبر من علي "عليه السلام" بعشر سنين.
وكان عقيل أكبر من جعفر بعشر سنين.
وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين.
2 ـ وقال الزبير بن بكار: "ولد أبو طالب بن عبد المطلب: طالباً، وعقيلاً،
وجعفراً، وعلياً "عليه السلام". كل واحد منهم أسن من صاحبه بعشر سنين
على الولاء. وأم هاني، وجمانة بنت أبي طالب. وأمهم كلهم فاطمة بنت أسد".
3 ـ وقال ابن سعد عن عقيل: "كان أسن بني أبي طالب بعد طالب.
وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أسن من علي "عليه
السلام" بعشر سنين، فعلي "عليه السلام" كان أصغرهم سناً، وأولهم
إسلاماً".
4 ـ ويقول الجاحظ: "ومن العجائب: أنها ولدت أربعة كلهم أسن من الآخر
بعشر سنين: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي "عليه السلام".
وهـذا الأمر مذكور في مختلف المصادر . وهو مروي عن ابن عباس أيضاً .
فتلخص أن ما قالته الرواية المتقدمة من أن عقيلاً كان
أكبر من طالب، لا يصح، لأن طالباً كان هو الأكبر، كما
دلت عليه النصوص التي ذكرناها آنفاً .